المقال الثالث
بقلم| عمر أحمد حسين
نوعه:تاريخى
مذبحة
القدس
قدس منذ الف سنة .. قدس لم تعد قدسا .. بل
صارت انهارا حمراء .. دماء كانت تجرى فيها حتى وصلت الى كعوب الجياد .. دماء
المسلمين .. دماء فرسانهم واطفالهم ونساءهم وشيوخهم.
قرأت هذه الجملة فى رواية انتخريستوس للكاتب
احمد خالد مصطفى .. وأثرت فى نفسى كثيرا على أجدادنا الذين دفعوا ثمن فساد الحكام
المسلمين وطغيانهم وإهمالهم لهم .. دفعوا الثمن غاليا بأن اقيمت لهم مذبحة فى
القدس لم تحدث من قبل على يد اشد القبائل وحشية وطغيانا .. مذبحة أذكر بها احفاد
الصليبيين الذين يلصقون تهمة الارهاب والعنف والتخلف بالمسلمين ، ولا ينظرون الى
اجدادهم وتاريخهم الاسود ضد المسلمين .. سأسرد لك فى هذا المقال قصة انتصار
الصليبيين في قتل العزل من السلاح يوم فتح القدس .. قصة ستظل خالدة فى الاذهان ..
قصة ستظل لعنة تلاحق من ارتكب فى أجدادنا الابرياء الى يوم الدين.
كانت مدينة السماء تنعم بالامن والسلام فى
العام الذى اتى فيه هؤلاء السفلة الصليبييون الى المدينة المقدسة ليدنسوها بآثامهم
الوحشية .. كان مزاج المدينة متقلبا غير ثابت وكان الناس يتكهنون بهدوء فى الشوارع
والمنازل .. وكانت الأسواق تسير كما قدر لها أن تسير.
حين انتخب البابا ايربان الثانى عام 1088 ،
كان الاسلام قد حكم القدس لأربعمائة وخمسين سنة .. وإيربان الثانى هذا رجلا خبيثا
خطب فى الناس بل فى العالم الغربى خطبة وصف فيها بشاعة المسلمين باتجاه إخوانهم ..
مسيحيي الشرق الذين يعيشون فى القدس.. بأن قال :
انهم يعبثون بمذابحنا ويدنسونها .. ويختنون
المسيحيين ويسكبون دم المختونين على المذابح أو فى جرن المعمودية .. إنهم يأخذون
المسيحى ويبقرون معدته .. ويربطون أمعاءه فى خازوق .. ثم يطعنونه برمح ويجعلونه
يجرى إلى أن تخرج أحشاءه ويسقط على الارض ميتا.
هكذا اثار بابا روما جنون الغرب باتجاه
المسلمين ..وتوسل الى الناس بأن يتناسوا ما بينهم من شجار وخلافات شخصية وعامة ،
فقدس الأقداس تناديهم بأن يخلصوها من شرور المسلمين .. وخطب فيهم قائلا "
خذوا طريقكم إلى الأراضى المقدسة .. وانتزعوا التابوت المقدس .. وانتزعوا الاراضى
من هؤلاء القوم البشعين " .. ولم يكد ينتهى حتى حتى صاح الجميع صيحة واحدة
" هذه إرادة الرب .. هذه إرادة الرب ".
طلب إيربان الثانى من أصحاب الأجساد القوية
أن يتطوعوا فى جيش الحملة الصليبية على القدس .. أما كبار السن والضعفاء فلا
يذهبوا .. وطلب من النساء مرافقة أزواجهن فى الحملة .. وجاء الناس استجابة لمطلبه
من كل مكان فى العالم الغربى.
قسم إيربان الثانى الحملة إلى أربعة جيوش ..
الجيش الأول يقوده جودفرى دى بويون .. والثانى يقوده بوهيموند النورماندى ..
والثالث يقوده ريموند .. والرابع يقوده روبيرت النورماندى .. وسافرت الجيوش فى
عام1097 من أوربا إلى أسوار القدس ووصلت إلى تلك الأسوار بعد عامين من السفر .. فى
7 يونيو عام 1099 .. على رأس جيش يتكون من أربعة الآف وثلاثمائة فارس ، وثلاثون
ألفا من المشاة.
بدأت جيوش الحملة الصليبية فى حصار القدس ،
واخذوا يقصفون الاسوار بالات حصار اصطحبوها معهم ولم يمْلِك المسلمون في داخل
المدينة إلاَّ محاولة المقاومة اليائسة .. وفي يوم 15 من يونيو 1099م، وبعد أسبوع
من الحصار وصلت إلى ميناء يافا بعض السفن الجنويّة تحمل المؤن والسلاح وبعض
الجنود، واستطاعت هذه السفن القليلة أن تُسيطر على ميناء يافا بسهولة؛ لأن السكان
هجروا المدينة بعد أن اقترب الصليبيون من أُرْسُوف، وكان لهذه الإمدادات أكبر
الأثر في تثبيت أقدام الصليبيين ، ومن ثَمَّ ازداد الحصار ضراوة وقوة.
ومرَّ شهر كامل والمدينة محاصَرة ، فصنع
الصليبيون بُرجين خشبيين للارتفاع فوق أسوار المدينة .. وقد تم صنع هذين البرجين
باستخدام خشب الأسقف من المنازل ببيت لحم بعد هدمها.. وبدأ الهجوم باستخدام
الأبراج .. وأحرق المسلمون البرج الأول باستخدام السهام المشتعلة .. غير أن
الصليبيين استطاعوا الضغط على المدينة باستخدام البرج الثاني .. وعبر الجنود
الصليبيون فوق الأسوار إلى داخل المدينة .. وانسل الجنود الى الداخل وفتحوا ابواب
المدينة من الداخل لتتدفق جموع الصليبيين الى المدينة ولتبدأ المجزرة.
انطلق الصليبيون الهمج ليستبيحوا المدينة
المستسلمة .. ولم يجد السكان الآمنين إلا الهرب من أمام همجية هؤلاء السفلة .. هرب
بعض السكان إلى برج داود، وأغلق آخرون على أنفسهم معبد الرَّبّ ومعبد سليمان،
وتَمَّ شنُّ هجوم وحشي على المسلمين في فناء هَذينِ المعبدَيْنِ، ولم يكن هناك
مكانٌ يمكن أن ينجيهم من سيوف الصليبيين .. لم يترك منهم احدا على قيد الحياة ..
وقذف بعض المسلمين بأنفسهم من أعلى المعبد .. ولم ينجُ حتى النساء والأطفال وقام
الفرسان والمشاة الصليبيين بشق بطونَ الذين ذبحوهم؛ لكي يَستخرجوا من المعدة
والأمعاء العُمْلاتِ الذهبية التي كان المسلمون قد ابتلعوها وهم أحياء .. كان
الرجالُ يخوضون في الدماء حتى ركبهم وحزام ركابهم فى هذين المعبدين.
وفى المسجد الاقصى لاذ الآلاف من المسلمين من
وحشية الصليبيين على أمل أن يحترموا قدسية المسجد .. لكنهم لم يحترموا إلا وحشيتهم
.. وهاجموا المسلمينَ نساءً ورجالاً، وقطعوا رؤوسهم بسيوفهم .. وكان النساء يُقتلن
طعنًا بالسيوف والحراب، والأطفال الرضع يختطفون بأرجلهم من أثداء أمهاتهم، ويُقذف
بهم من فوق الأسوار، أو تُهَشَّم رؤوسهم بدقها بالعمد .. وقتل أئمة المسجد وعباده
وزهاده .. وسرقوا أربعين قنديلا من الفضة .. ومن الذهب عشرين قنديلا .. وقتل فى
هذا اليوم سبعون ألفا من المسلمين فى المسجد الاقصى وحده.
وفى الشوارع كانوا يخوضون في دماء المسلمين
حتى أعقابهم .. كان المسلمين يُذْبَحُون ذبح النعام .. ففي كل مكان ترى بقايا جثث
القتلى مقطوعي الرؤوس والأيدي .. وكانت أكوام الرؤوس والأيدي والأرجل تسترعي النظر
في شوارع المدينة، وكان المرءُ يَشُقّ طريقه بصعوبة بين جثث الرجال والخيول ..
بحور من الدماء .. وطرقا من الجثث كانت.
وبعد المذبحة التى استمرت أياما ، قام
الصليبييون بجمع الجثث والاشلاء والرؤوس ووُضعوها في أكوامٍ حتى حاذتِ البُيُوتَ
ارتفاعًا .. حتى صارت مثل الأهرامات .. وكل هذه الجثث سيقت الى محارق خارج المدينة
واحرقوها.
وبعد هذه المذبحة الكبيرة دخلوا بيوت السكان،
واستولَوْا على كلّ ما وجدوه فيها، وتمَّ هذا بطريقة جعلت كل من كان يدخل أولاً
سواء كان فقيرًا أم غنيًّا لا يجد من يُنازعه من الفرنج الآخرين، وكان له أن يحتل
المنزل أو القصر، ويمتلِكُه بكل ما فيه؛ كما لو كان ملكية خالصة له، وهكذا
اتَّفقوا جميعًا على هذا النمط من الملكية، وبهذه الطريقة صار كثيرون من الفقراء
أثرياء.
هؤلاء هم من جاؤوا من اجل الرب والمسيح ..
وهؤلاء هم اجداد من يتهمونا بالارهاب والهمجية .. انظروا الى تاريخ أجدادكم الاسود
قبل أن تحكموا على المسلمين.
المصادر :
الكامل فى التاريخ .. ابن الاثير
فرسان الهيكل .. ستيفن هوارث
بحوث على شبكة الانترنت عن مذابح الصليبيين
بالقدس
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق