نبذة عن المجلة

جريدة أدبية الكترونية تقوم على مجهودات ذاتية هدفنا رفع مستوى الفكر وزيادة الوعى وتقديم فن راقى وإظهار دور الأدب فى بناء المجتمعات ،ومساعدة المواهب المهمشة فى إظهار مواهبهم ومساعدتهم على تنمية مواهبهم وتقديم الدعم المادى والمعنوى

المادى : هو توفير إمكانيات للنشر

المعنوى: توفير كتاب وورش عمل للتشجيع والتعليم.

مدة النشر : كل أسبوع

المقال الخامس :

غابرين .. شخصيات من العالم القديم

اعداد : منال عبد الحميد
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
إيمحوتب .. الذي جاء في سلام ولم يُعرف أين ذهب !
العبقرية  اللغز !
أهو " يوسف " النبي نفسه ؟!
  
لفترات طويلة كان الدفن في مصر القديمة عملا بدائيا بسيطا .. مجرد ستر لبقايا المتوفى وحسب ، وكان القبر في تلك المرحلة يقتصر على حفرة وسط الرمال ، ويوضع الميت مقرفصا ومعه بعض الأغراض البسيطة ، أوعية من الطعام والشراب ، وأحيانا بعض الحلي والمجوهرات ، بحسب الطبقة التي ينتمي إليها .. ولم يزد التطور الذي أدخل على مقابر المصريين حينها عن بعض التفنن في شكل الحفرة ، وفي أسلوب توزيع أغراض الميت حوله ، وظهرت حفر لها أشكال هندسية .. ولم يتم التفكير في استبدال تلك القبور البدائية لفترات طويلة ، وحتى ظهور الأسرتين الأولي والثانية الحاكمتين في مصر ( ما يعرف بالعصر العتيق ) ..
ولكن مع دخول مصر مرحلة الوحدة واستقرار نظام الحكم ، وجمع السلطات بين يدي ملك له جميع السلطات الدينية والزمنية ، كان من الواجب أن يتم دفن الملك بطريقة أكثر تميزا وفخامة من أسلوب دفن العامة والدهماء .. وهكذا ظهرت فكرة ( المصاطب ) ، وهي بناء مكون من جزأين ، أحدهما مستطيل الشكل يبرز فوق سطح الأرض ، والآخر تحت الأرض يٌفضي إليه بئر ، يوصل إلي حجرتان إحداهما تخصص لدفن المتوفى ، وكان يتم التعريف بصاحب المقبرة من خلال لوحات جنائزية من الحجر ..
وتدريجيا خطا المصريون القدماء خطوات واسعة في طريق تطوير وتحسين شكل المدفن المصري .. ولكن عظيم الفضل في الوصول إلي الأهرامات الخالدة هو رجل نادر المثال ، يعتبر أعجوبة من أعاجيب التاريخ المصري القديم .. فهو مهندس وطبيب وكيميائي وحكيم ، إضافة إلي قدراته الإدارية الفذة التي جعلت الفرعون " زوسر " يختاره وزيرا له , وحكيما يعاونه في تصريف شئون المملكة .. وكعادة رجال التاريخ القدماء يكتنف الغموض بعض التفاصيل في حياة هذا الرجل العظيم ، الذي أتُخذ إلها للطب والشفاء في مرحلة لاحقة ، وأضحي من رجال العالم القديم المعدودين ..
" إيموحتب " العظيم الذي حاذ مجموعة من الألقاب والوظائف تشي بمكانته العالية لدي سيده الفرعون فقد أطلق عليه :
غري تب نسو ( الذي تحت رأس ملك مصر العليا )
يري بات ( ولو لقب يشير إلي أصوله النبيلة باعتباره واحدا من أعضاء الأسرة الملكية ) وربما يعني هذا كونه قريبا للملك أو من النسل الملكي بشكل ما .
أما لقب حقا حوط عا  ( ناظر القصر العالي ) فيدل على كونه يقوم بمهام إدارية ربما تعني كونه رئيسا للحاشية الملكية أو رئيسا للبلاط بحسب الوظائف الأحدث زمنا .
إيموحتب كرجل متعدد المواهب ظهرت أساطير كثيرة تتناول حياته وأعماله وموته .. وعلى أغلب الآراء فهو ولد وعاش في القرن الثلاثين أو التاسع والعشرين قبل الميلاد ، وذلك بإدخال فترة حكم الملك زوسر ( 2980ق.م تقريبا ) في الحسبان .. وتطبيقا لمثل ( هذا الشبل من ذاك الأسد ) فقد كان والد " إيموحتب " مهندسا بدوره ، والاسم الذي مُنح له يعني ( الذي يأتي في سلام ) .. وهو اسم ذو دلالة غامضة فهل هذا اسمه الحقيقي .. أم لقب كُني به بعد اختفائه من التاريخ ثم الوصول إلي مرحلة تقديسه وتأليهه ؟!

إيموحتب يجلس في سلام كحكيم وعالم جليل

وقد كان للرجل إسهامات علمية حضارية ، لم يبق منها قيد النظر والظهور ، عدا علومه الدفينة في المخطوطات ، سوي هرم مليكه وسيده " زوسر " الذي خططه وشيده له في منطقة سقارة الطافحة بالمتروكات الأثرية الثمينة.


  شكل يوضح تخطيط هرم زوسر من الداخل

والهرم عبارة عن تدرج من المصاطب مشيدة فوق بعضها ، عددها ست ، ويبلغ ارتفاعها الكلي 62 مترا ، وكان للهرم كسوة من الحجر الجيري المصقول .. وهذا الهرم يعد إعجاز بكل معاني الكلمة ، في تلك العصور ، حيث بدائية أدوات البناء وبساطة التشييد وقلة الإمكانات المتوفرة ..
" إيموحتب " نفسه نال من التقديس وخلود الذكري ربما أكثر مما ناله كثير من الفراعنة والملوك .. عد إلها للطب والحكمة ، وقدمت له القرابين ، ورفع مكانا ساميا وسط آلهة مصر القديمة ، وقدس الإغريق ونال احترام الجميع .
لكن من ضمن نقاط الإلغاز في حياة هذا الرجل العظيم هو غموض موقع دفنه ، وعدم العثور على أي وثيقة تُرشد إلي قبره ، ويعتقد البعض أن الكثير من الأسرار العلمية والطبية دٌفنت برفقة " إيمحوتب " في قبره ..
كما أن هناك قصة غامضة ذكرت في لوحة تسمي ( لوحة المجاعة ) ، التي تروي كيف تعرضت مصر ، في عصر الملك " زوسر " ، لمجاعة دامت سبع سنوات انتهت باستشارة الملك لوزيره الأثير ، الذي أطلعه على عجائب وغرائب لم يطلع عليها ملك من قبل ، ونصحه ببناء معبد لاسم الإله " خنوم " ، رب الشلال الأول ، لترضي النترو ( الإلهة) عن مصر وتُجري إليها الفيضان .. وقد نفذ الملك نصيحة " إيموحتب " مما أدي بالفعل إلي تدفق الفيضان مرة أخري وتوقف المجاعة المرعبة .. القصة نفسها معادة التدوين في عصر البطالمة ، فاللوحة نفسها لا ترجع إلي عصر الملك " زوسر " ، مما أدي لبروز عدد من الأسئلة وعلامات الاستفهام :
فهل من قبيل الصدفة التشابه بين تلك القصة وقصة ( المجاعة ) التي حدثت في عهد وجود " النبي يوسف " في مصر ، والتي يفترض أنها حدثت في مرحلة زمنية متأخرة ؟!
وهل تلك القصة منتحلة عن قصة يوسف ومنسوبة زورا لعصر الملك زوسر .. أم أن " إيموحتب " هو النبي يوسف نفسه ؟!
وهل تكون قصة " يوسف " ، كما روتها الكتب السماوية ، قد حدثت فعلا في عصر الدولة القديمة برغم كل الدلائل التي ترجع القصة إلي عصور من يعرفون بالملوك الرعاة .. أو الهكسوس ؟!

ولكن برغم كل شيء يظل اللغز الأكبر : أين ذهب " إيموحتب " وأين يقع قبره .. وما هي الأسرار والكنوز التي يضمها قبر أعظم رجل علم وإدارة وهندسة عرفته مصر القديمة ؟!